خالد دومة يكتب: قربان المشاعر.. وثورات النغم
كلاهما يلعب على أوتار القلوب، ونغم الكلمات، كلاهما شاعر وعازف، الشاعر يعشق الموسيقى، والملحن يعشق الكلمات، تخرج الموسيقى من رحم الشعر، ويخرج الشعر من رحم الموسيقى، كلاهما ابن الأخر، وقرينة وتوءمه، أصولهما واحدة في عالم النفس والمشاعر، كلاهما يخترق الأذن، ليسبح في فضاء النفس، والمشاعر والخيال.
ماذا تفعل في النفس؟ وكيف تقلب كيان الإنسان، لتهتز له النفس، يعلو ويهبط بها، يفرح ويبكي فوق صدره نصالها، لينزف بلا سلاح، وبلا جرح، كيف تقتحم لتسكن الفؤاد والروح والنفس وتستقر هناك في أعماقه؟
الألحان لوحات فنية مسموعة، حين ترى لوحة، فتثير في نفسك من جمالها وروعتها، ما تثير، وتتأمل وتندهش، وتغوص بالآف المعاني الغير مكتوبة، والتي تحسها من رؤية الجمال، كذلك الموسيقى فهي تبعث فيك آلاف المعاني التي تستشعرها، بلا كلمة واحدة، يغوص بها في عالمه، فاللحن الذي يخربش في نفسك أحاسيس الروعة والجمال، ويرتل على مسامعك، صنوف من آيات الجمال والجلال، فما الموسيقى إلا لغة إنسانية، إنها لغة حية، يتأثر بها كل حي، حتى الحيوان، والهوام حتى النباتات، كل ما في الوجود يسمع، إن الكون كله سيمفونية، لحن عظيم، ماذا تفعل فينا الموسيقى؟ بنفوسنا بأعصابنا، بالخلايا المزروعة فينا، بتلك البوصيلات الصغيرة، التي تترعرع فينا، كيف تقيم في حيز محدود من اللحم والدم، كل هذه الثورات، الهدم والبناء، غبار يملأ سماء النفس، ضباب يسكن ساحات القلوب، زينة ورود بساتين، كيف تقيم الدنيا، وتمسك بمعولها لتهدم، إنها الألحان التي تعبث بك، وترسم لك طريق من خلال سمعك، وتحفز خيالك، إلى الانطلاق في عالم من الخيال، بنته الألحان، وتُحيي وتُميت من مشاعر الإنسان، تنفخ فيه من روح الحياة، فتنبعث وتقوم حية، قائمة بعد الموات، إنهم يرون بها عالم لا تراه العيون، عالم لا تستطيع أن تعثر عليه، إنهم يرون بآذانهم، ما فعلت بنا الأوتار، إنها تعتصرنا، إنه البكاء الصامت، الألم المتشعب، كيف للأوتار أن تقودنا إلى الجحيم حينا، وإلى جنة الخلد حينا، كيف لها أن تُحدث زخما رهيبا، وزحاما شديدا في النفس، تجعله جحيما لا يطاق، تثير الذوابع، وتهطل من أجلها الأمطار، إنها حين تغوص في النفس تثير فيها عواصف وكوامن، إنها نافذة الأذن، فإذا بالنفس غير النفس، والقلب غير القلب، إنما هو سباق الأرواح، أهي من السماء تنبعث أوتارها العجيبة.