مصر في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية: قراءة في الاستراتيجية والمواقف
كتب عبد الهادى عطيه
منذ ثورة 30 يونيو 2013، التي استعاد فيها الشعب المصري قراره الوطني وأسقط مشروع الهيمنة الخارجية عبر حكم جماعة الإخوان المسلمين، دخلت مصر مرحلة جديدة من بناء الدولة القوية المستقلة. تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي قيادة البلاد في مرحلة بالغة التعقيد، وسط تحديات داخلية وخارجية تهدف إلى إضعاف مصر وإبقائها رهينة للصراعات الإقليمية والمخططات الدولية.
كان واضحًا أن القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لم تكن مرتاحة لاستعادة مصر زمام الأمور، خصوصًا بعد حالة الفوضى التي شهدتها البلاد عقب ثورة 25 يناير 2011. لذلك، ومنذ اللحظة الأولى، واجهت الدولة المصرية ضغوطًا هائلة لإفشال عملية إعادة البناء، سواء عبر الإرهاب، أو الحصار الاقتصادي، أو محاولات استدراج الجيش المصري إلى مستنقعات الحروب الخارجية.
مخططات توريط مصر في صراعات إقليمية ..
عملت القوى المعادية لمصر على زعزعة استقرارها عبر عدة ملفات:
1. الملف الليبي: حاولت قوى إقليمية ودولية تحويل ليبيا إلى ساحة استنزاف لمصر، عبر دعم الميليشيات المسلحة وتهريب السلاح والإرهابيين إلى الحدود المصرية. لكن مصر اتخذت موقفًا واضحًا بدعم الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، ما أدى إلى إفشال المخطط، ومنع تحوّل ليبيا إلى تهديد مباشر للأمن القومي المصري .
2. الملف اليمني: سعت بعض الأطراف إلى جرّ مصر للتورط العسكري المباشر في حرب اليمن، لكن القيادة المصرية رفضت ذلك، مكتفية بدعم التحالف العربي دون الزج بالقوات المصرية في صراع طويل الأمد.
3. ملف سد النهضة: حاولت إثيوبيا، بدعم قوى دولية وإقليمية، فرض سياسة الأمر الواقع على مصر فيما يتعلق بمياه النيل، لكن مصر تصدت دبلوماسيًا وسياسيًا لهذه المحاولات، مع الحفاظ على خيار القوة كحل أخير.
4. الملف السوداني: تكررت المحاولات لتوريط مصر في الصراع السوداني، سواء من خلال دعم بعض الفصائل المسلحة أو تأجيج النزاع الحدودي في مثلث حلايب وشلاتين. غير أن مصر تعاملت بحكمة، وحافظت على موقف متوازن يدعم استقرار السودان دون الانجرار إلى صدام مباشر.
الأزمة الفلسطينية والموقف المصري ..
مع اندلاع الحرب في غزة بعد عملية “طوفان الأقصى”، اتخذت مصر موقفًا ثابتًا بدعم الحقوق الفلسطينية، ورفض أي محاولات لتهجير سكان غزة إلى سيناء. القاهرة أكدت أن الحل العادل للقضية الفلسطينية هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وأن أي محاولة لتصفية القضية على حساب الأمن القومي المصري مرفوضة تمامًا.
التحركات المصرية في الأزمة تضمنت:
رفض أي تهجير قسري للفلسطينيين إلى سيناء، واعتبار ذلك خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه.
استضافة مؤتمر دولي بمشاركة 34 دولة ومؤسسة دولية للضغط من أجل وقف العدوان الإسرائيلي وإدخال المساعدات الإنسانية لغزة.
التصعيد الدبلوماسي عبر الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لفضح الممارسات الإسرائيلية.
دعم المقاومة الفلسطينية سياسيًا وإنسانيًا، والتأكيد على ضرورة وقف الحرب فورًا.
القيادة المصرية وإدارة الأزمة بحرفية..
اتبعت مصر استراتيجية “حافة الهاوية”، حيث واجهت الضغوط الدولية والإقليمية بحنكة، ورفضت الانصياع للابتزاز السياسي أو العسكري. ونجحت في فرض رؤيتها عبر:
1. الموقف الصلب للرئيس السيسي: أكد الرئيس في أكثر من مناسبة أن مصر لن تقبل بأي حل على حساب سيادتها أو أمنها القومي، وشدد على أن القضية الفلسطينية لن يتم تصفيتها إلا عبر حل عادل وشامل.
2. التحركات العسكرية والدبلوماسية: أجرت مصر مناورات عسكرية، وعززت وجودها الأمني في سيناء، وأرسلت رسائل واضحة بأن أي تهديد مباشر لأراضيها سيُقابل برد قوي.
3. كسر الهيمنة الأمريكية: أظهرت الأزمة أن مصر تمتلك استقلالية قرارها، ولا تخضع للإملاءات الغربية، حيث رفضت القاهرة محاولات واشنطن فرض حلول غير عادلة للصراع.
مصر والتحديات القادمة
رغم كل هذه التحديات، تواصل مصر بناء قوتها الاقتصادية والعسكرية، وهي تدرك أن معركة الاستقلال الوطني لم تنتهِ بعد. في السنوات الماضية، تمكنت من تحقيق قفزات نوعية في مجالات التنمية، والتسليح، والبنية التحتية، ما جعلها قوة إقليمية لا يمكن تجاهلها.
الرهان الحقيقي الآن هو على وعي الشعب المصري، الذي أثبت مرارًا أنه قادر على التصدي للمخططات الخارجية، كما فعل في ثورة 30 يونيو التي أنقذت البلاد من مصير الفوضى. واليوم، في ظل التحديات الإقليمية، تظل وحدة الصف المصري هي السلاح الأهم لمواجهة أي تهديدات مستقبلية.
الخلاصة:
مصر تدرك حجم المؤامرات التي تُحاك ضدها، لكنها تمتلك قيادة حكيمة، وشعبًا صامدًا، وقوة عسكرية قادرة على حماية مصالحها. ومع استمرار التحديات، يبقى الموقف المصري ثابتًا: لا تفريط في الأمن القومي، ولا حلول للقضية الفلسطينية إلا بما يحقق العدالة للشعب الفلسطيني، ولن تكون سيناء بديلًا عن فلسطين تحت أي ظرف … تحيا مصر